الركن المادي للجريمة في القانون السعودي

لا تُعاقب القوانين على النوايا المجردة إن لم تتمثل في فعل مادي قائم وواقعي، فالأفكار والمشاعر الباطنية السيئة والشريرة والشاذة إنما هي دوافع نفسية لا تعد من الناحية القانونية جرائم إلا إذا تجسدت بسلوك ملموس، ولذلك فإن أهم أركان الجريمة الجنائية والتي تجعلها اختصاص قانوني بحت مكون من جريمة وعقاب هو الركن المادي للجريمة في القانون السعودي.

يتناول هذا المقال الركن المادي للجريمة في القانون السعودي من حيث ماهيته وأهميته نظراً لأنه الصورة الواضحة والحقيقة عن وقوع الجريمة، فلا تطول العقوبات الأفكار كما ذكرنا، فهو بذلك قيَّد وحدّ فاصل للتأرجح ما بين معاقبة الجناة وإطلاق المتهمين بجرائم دون أدلة ظلماً وتعسفاً، كما سنقدم معلومات إضافية حول أنواع الجرائم من حيث الركن المادي وعناصره في القانون السعودي وغيرها من المعلومات المهمة.

ماذا يُقصد بالركن المادي للجريمة في القانون السعودي؟

إن البناء القانوني للجريمة علم متطور وليس بمعرفة جامدة وثابتة، حيث أن القوانين التي تحكم الجرائم والتي تثبتها والتي تحدد عقوبتها بالإضافة إلى الأركان الأساسية لكل جريمة، جميعها إجراءات وقواعد قانونية متراكمة مع الوقت، فالقانون علم متطور ومستمر يعتمد على عناصر أساسية هي الدقة في البحث والغزارة في الفكر والبراعة لدى الباحثين فيه.

وقد تناهت الأبحاث القانونية فيما يتعلق بالأركان الخاصة بالجرائم بأنه لا بد للجريمة أو السلوك أو الفعل الآثم من وجود ركن مادي، أي الماديات التي تحدث تغييراً في العالم الواقعي بحيث تلحق ضرراً أو تعتدي على حق خاص أو عام يكفله القانون.

يُعرَّف الركن المادي في الجريمة بأنه جميع الاعتداءات والانتهاكات الجسدية التي تستهدف شيئًا محميًا قانونًا، ويعتبر هذا الجانب موضوعيًا، وقد يعتمد على ثلاثة عناصر أساسية. وهي تشمل الفعل الذي يعد نشاطًا أو سلوكًا إجراميًا ينتج عنه ضرر ناتج عن نشاط إجرامي أو سلوك إجرامي.

لذلك؛ وفيما يتعلق بأركان الجريمة فإن الركن المادي للجريمة يتمثل بحضور ووجود العديد من العناصر وهي الفعل غير المشروع ومن ثم أثر هذا الفعل والسبب الذي يربط بين الفعل وأثره، ولكن بمجرد وقوع الفعل يصبح القانون هو المحور الأساسي في كيفية سير الأحداث، فحتى إن وقع الفعل ولم يترك أي نتائج سلبية أو آثار مادية فإن للقانون الحق في فرض العقوبة على أساس المحاولة في افتعال الآثار السلبية والتهديد بالاعتداء.

ولكن من ناحية أخرى وحتى ولو تم الفعل غير المشروع وحتى مع وجود أقسى أشكال النتائج السلبية والآثار المادية كوجود ضحية لجريمة قتل فإن القانون يأخذ بعين الاعتبار وجود الظروف الموضوعية والتي يمكنها تخفيف عقوبة هذا الفعل، كأن يتم ذلك بمحاولة للدفاع عن النفس وأنه لو لم يقم بالقتل لكان ضحية، حيث لم يكن أمامه إلا أن يكون جاني أو مجني عليه.

ولذلك يتدخل القانون في التجريم والعقاب لحماية الحقوق والمصالح المشروعة بعد البحث في أركانها عبر دراسة عناصرها التي قمنا بذكرها، فإن اكتملت العناصر والأركان اكتملت الجريمة الجنائية وإن نقص أحدها تسقط الجريمة أو يختلف الحكم وفقاً للركن أو العنصر المفقود.

أنواع الجرائم من حيث الركن المادي

دائماً ما يتم تحديد الأشياء وتقسيمها في خانات وأنواع محددة وفقاً لطريقة النظر إليها، حيث يمكن تقسيم القوانين إلى عامة وخاصة وفقاً لنوع الطرف المتضرر، ويمكن تقسيمها إلى قوانين أحوال شخصية وجنائية وعمالية وتجارية وفقاً للجانب الذي تتناوله المشكلة، كما يمكن تقسيم الجرائم على أنها القيام بسلوك غير مشروع أو الامتناع عن سلوك أوجبه القانون، ومن ناحية أخرى يمكن تصنيفها على أنها جرائم مدنية أو عسكرية، ومن منظور وقت اكتشاف الجهات المختصة للجريمة فهي إما جرائم متلبس بها أو غير متلبس بها، ولكن إذا أردنا تقسيم الجرائم وتحديد أنواعها من حيث الركن المادي للجريمة فهي ثمانية أنواع يمكن تحديدها بالتالي:

› الجريمة الإيجابية: وهي حدوث سلوك آثم والحصول على نتيجة محددة بسبب القيام بفعل ايجابي، كأن يقوم الجاني بالتعدي على شخص بالضرب وإلحاق الأذى به أو الاعتداء على مال شخص بالسرقة والاحتيال.

› الجريمة السلبية: وهي حدوث آثار سلبية بسبب امتناع الشخص عن القيام بفعل ايجابي، كأن يقوم الجاني بإنجاب طفل ولكنه لا يقوم بتسجيله في السجلات القانونية والرسمية فيقوم بحرمان الطفل من الكثير من الحقوق بما فيها إثبات النسب قانونياً وبذلك فإن امتناعه عن التبليغ هو جريمة يعاقب عليها القانون.

› الجريمة الإيجابية بالترك: وهي حدوث سلوك آثم والحصول على نتيجة محددة بسبب عدم القيام بفعل ايجابي واجب ومفروض، كأن يقوم الطبيب بالامتناع عن إجراء عملية جراحية بقصد موت المريض، أو امتناع المنقذ في المسابح عن إنقاذ شخص بقصد موته، أو امتناع الحارس في السجن عن منح السجين طعاماً أو شراباً بقصد قتله.

› الجريمة البسيطة: وهي الجريمة التي يعاقب عليها القانون حتى وإن حدثت لمرة واحدة، وإن تكرر الفعل يتم اعتبارها جريمة ثانية وليست امتداد للجريمة الأولى أو يتم دمجهما معاً، كأن يقوم الجاني بالسرقة أو يقوم الجاني بقتل شخص.

› الجريمة الاعتيادية: وهي الجريمة التي تتكون بالتراكم والتكرار ولا يتم فرض عقوبة عليها إذا ما تمت لمرة واحدة وإنما تتحول إلى جريمة مع الإعادة..

› الجريمة الوقتية: وهي حدوث سلوك آثم والحصول على نتيجة محددة خلال وقت محدد وبشكل آني كأن يقوم الجاني بإطلاق النار على شخص فهي تبدأ وتنتهي خلال وقت محدد وآني، أو يقوم الجاني بضرب الضحية لوقت قصير ومحدد.

› الجريمة المستمرة: وهي حدوث سلوك آثم والحصول على نتيجة محددة ولكن الجاني يعمد إلى عدم انتهائها واستمرار نتائجها، كأن يقوك الجاني بشراء سلاح بطريقة غير مشروعة وبدون ترخيص فإن هذه جريمة يعاقب عليها القانون، ولكن احتفاظ الجاني بالسلاح دون امتلاكه لترخيص يسمح له بذلك أو حمله من مكان لآخر والتجول به هي جريمة مستمرة.

› الجريمة المتتابعة: وهي حدوث سلوك آثم لمرات عديدة كأن يقوم الجاني بالاعتداء على شخص عدة مرات أو يقوم موظف عام بقبول الرشوة أو طلبها لعدة مرات.

تصفح أيضاً: ما هي السوابق القضائية وماذا يُقصد بها؟

عناصر الركن المادي للجريمة في القانون السعودي

كما أشرنا سابقاً فإن للركن المادي مجموعة من العناصر التي تسقطه أو تجعله قائماً وموجوداً، وتتمثل عناصر الركن المادي للجريمة في القانون السعودي بما يلي:

أولاً: الفعل الإجرامي

الفعل الاجرامي هو أول عناصر الركن المادي للجريمة في القانون السعودي ويتجسد في سلوك مادي يقوم به الجاني بكامل قواه العقلية ووعيه بحيث يؤدي سلوكه إلى إحداث تغيير له أضرار وفيه اعتداء على حقوق أو تعريض مصالح للخطر رغم أن القانون يحميها ويكفلها، ولا يعد الزمان والمكان مهما في تناول هذا السلوك بطبيعة الحال ولكنه يؤدي إلى تشديد العقوبات في بعض الحالات كالسرقة من المنازل أو في الليل، ولا تعد الوسيلة التي استخدمت في إتمام السلوك أساسية فإذا ما تم قتل إنسان بالسلاح الناري أو السلاح الأبيض أو الحرق أو الإغراق أو الخنق فالأمر سيان، ولكنها تؤدي إلى تشديد العقوبات في بعض الحالات كالقتل بالُّسُّم.

وللفعل الإجرامي والذي يعد أهم عناصر الركن المادي للجريمة صور مختلفة يتحقق بها؛ وهي:

1- السلوك الايجابي: وهو القيام بفعل حذر القانون من ارتكابه ويتحقق بتحريك الجسد وإتيان فعل كالضرب والاختلاس والتزوير والرشوة، بالإضافة إلى التعدي على الأملاك وانتهاك حرمة المنازل، أو يتحقق باللسان كتقديم شهادة زور أو السب والشتم أو الوشاية بالكذب.

2- السلوك السلبي: وهو ترك القيام بفعل أوجبه القانون أو الامتناع عنه بما يعد جريمة كالامتناع عن الإدلاء بالشهادة أو الامتناع عن التبليغ في جريمة أو الامتناع عن مساعدة شخص في خطر رغم القدرة على ذلك.

وتختلف طريقة تناول القضاء للسلوك الايجابي أو السلوك السلبي، ففي السلوك الايجابي يعاقب الشخص على فعل ارتكبه له عقوبة واضحة كقتل شخص وموته، ولكن تختلف الجريمة إذا مات الضحية بسبب السلوك السلبي، فلا يسُأل الجاني عن موت الضحية وإنما عن عدم مساعدته لشخص في خطر.

تصفح أيضاً: اركان جريمة الاختلاس في القانون السعودي.

ثانياً: النتيجة الإجرامية

وهي أحد عناصر الركن المادي للجريمة في القانون السعودي فلا بد لقيام الجريمة من وجود آثار سلبية للسلوك والفعل الإجرامي يؤدي إلى إحداث ضرر في حق أو مصلحة يكفلها القانون، وعليه فإن النتيجة الإجرامية هي ما ينجم عن الفعل الإجرامي، وللنتيجة الإجرامية التي تعد أهم عناصر الركن المادي للجريمة في القانون السعودي صور مختلفة تتحقق بها؛ وهي:

1- النتيجة المادّية: وهو وجود ضرر مادي أو معنوي جراء الفعل الإجرامي ففي جريمة القتل مهما كان أسلوبها يعد الاعتداء على حق الضحية في الحياة وموتها هو النتيجة الإجرامية، وفي جريمة الاعتداء بالضرب تعد الأضرار الجسدية من جروح أو كسور بالإضافة إلى الألم ومصاريف العلاج هي النتائج الإجرامية.

2- النتيجة غير المادّية: وتتمثل بتهديد أو اعتداء دون أضرار مادية وملموسة، ويطلق عليها الجرائم الشكلية، كحمل الأسلحة دون ترخيص أو التحريض على جريمة.

العلاقة السببية بين الفعل والنتيجة الإجرامية

وهي آخر عناصر الركن المادي للجريمة في القانون السعودي وصلة الربط بين العنصرين الآخرين، وتتناول إمكانية ارتباط الفعل الإجرامي بعوامل خارجية أدت إلى وجود النتيجة الإجرامية، ولا يمكن أن يتحقق الركن المادي للجريمة إذا لم يكن هناك علاقة سببية بين الفعل والنتيجة بمعنى أن يكون هذا الفعل هو ما أدى إلى هذه الجريمة وتسبب بها وترتبت عليه، فإذا زالت هذه العلاقة سقط الركن المادي، كأن يقع شخص بشكل مؤذي من تلقاء نفسه ولا يبدو عليه أي آثار لوجود مشكلة ومن ثم يقوم شخص بصفعه مما يؤدي إلى وفاته، فهنا لا وجود للرابط السببية بين الفعل والنتيجة لأن الصفعة ليست السبب في موت الضحية وإنما اشترك في ذلك أسباب أخرى أشد قوة، وفي هذه الحالة بماذا يحكم على الشخص الذي صفع الضحية؟

يعود ذلك للعديد من النظريات ففي هذه الحالات تتعدد الأسباب ولكن بعضها قوي وبعضها ضعيف، منها ظاهر ومنها خفي، ولذلك يتم تحديد درجة المسؤولية وفقاً للنظريات التالية:

1- السبب المباشر: وهي تقوم على سقوط العلاقة السببية إن لم يكن الفعل هو السبب المباشر والأساسي للنتيجة، كأن يقوم شخص بطعن بالسكين ولكنه لم يقتله ومن ثم تم نقله للمستشفى ولكنه توفي بسبب خطأ طبي، فهنا لا يتم الحكم على الجاني الذي سبب الطعنة لوجود سبب آخر وبذلك أصبح فعله غير مباشر، وقد تم انتقاد هذه النظرية للعديد من الأسباب.

2- تعادل الأسباب: وهي تقوم على التناقض ما بين مساواتها للأسباب التي أدت إلى الجريمة وجعلها في مستوى واحد، ومن ثم تحميل صاحب الفعل الأول كامل المسؤولية كونه محرك هذا الفعل والبادئ به.

3- السبب الملائم: وهي تقوم على الأخذ بالعوامل المألوفة وتجاهل العوامل الشاذة، فإذا قام شخص بجرح شخص آخر ووصل الأخير إلى حالة صحية سيئة بسبب إهمال العلاج أو خطأ طبي فإن ذلك عامل مألوف لا يقطع العلاقة السببية، بينما حدوث حريق في المستشفى وموت ذات الضحية بسببه يعد عامل شاذ ولذلك فهو يقطع العلاقة السببية.

أهمية الركن المادي للجريمة في القانون السعودي

تتجسد أهمية الركن المادي للجريمة في القانون السعودي في دوره الكبير والأساسي أثناء دراسة وتحليل الجريمة وذلك كما يلي:

› يسهل عملية تحليل الجريمة من خلال تجزئتها إلى تفاصيل صغيرة ومترابطة ومتراتبة تمكن من دراسة الجريمة بشكل علمي فهو يمثل ماديات الجريمة الظاهرة.

› يساعد تحديد الركن المادي بدقة على فصل الأفعال وتمييزها عن ما يماثلها وهذا يؤدي إلى توصيف الجريمة بشكل محدد.

› إن اكتمال الركن المادي وتحقيق عناصره يعد دليل أساسي على تمام الجريمة، في حين نقص عناصره يعني عدم تمام الجريمة أو الحكم بأنها جريمة شروع، كما أن نقص عنصر الفعل يعني عدم وجود جريمة أساساً.

› يساعد في تحديد الجاني في حال تعدد الفاعلين، حيث يتم تحديد القائم بالفعل الإجرامي والذي يستحق العقوبة المقررة بالإضافة إلى تحديده لأوصاف الفاعلين الآخرين ما بين التحريض والمساعدة وغيرها.


انظر أيضاً: أركان جريمة التشهير في النظام السعودي.

Avatar of حسين الدعدي
نبذة عن حسين الدعدي

حسين الدعدي, محامي ومستشار قانوني سعودي الجنسية؛ حاصل على بكالوريوس في الشريعة بدرجة ممتاز من جامعة أم القرى في مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية. ومالك لمكتب الصفوة للمحاماة والاستشارات القانونية.

رأي واحد حول “الركن المادي للجريمة في القانون السعودي”

أضف تعليق

متجر الصفوة اطلب خدمات قانونية
لديك استشارة قانونية؟
تواصل مع محامي