السوابق القضائية في النظام السعودي وهل هي ملزمة في القضاء؟

7 دقائق للقراءة
1
(1)

السوابق القضائية في النظام السعودي أو كما تعرف أحياناً بـ «الأحكام القضائية السابقة» سنحاول في مقالتنا هذه أن نوضح لكم السوابق القضائية ومدى حجيتها وإلزامها في القضاء، كما سنبين لكم الأنظمة القانونية المختلفة في العالم، وسنوضح الفروقات بين ما يسمى بالسابقة القضائية وما يسمى بحجية الأمر المقضي أو المحكوم به. فأهلاً بكم.

إن العدالة في المجتمعات تقوم على ثلاثة ركائز هي (المشرع والقاضي والمحامي)، فالمشرع هو من يضع القوانين ويصدرها وفقاً لمتطلبات حماية المجتمع واستقراره، بينما يقوم القاضي بتنفيذ تلك القوانين وإصدار الأحكام المتعلقة بشأنها، أما المحامي فمهمته الدفاع عن حقوق الموكلين والتأكد من قانونية تلك الأحكام، حيث يحق له الطعن فيها بموجب الحق الممنوح له بذلك وفقاً للنصوص التشريعية.

وبالتالي فإن عمل هؤلاء الثلاثة (المشرع والقاضي والمحامي) يعتبر مكملاً لبعضه البعض، فالمشرع يسن القوانين التي من المفترض أن تؤدي لاستقرار الأوضاع القانونية بين الأفراد في المجتمع، ولكن ما يحدث أن المجتمعات في تطور مستمر، ولأن القوانين تتصف بالديمومة والثبات لفترة زمنية أطول من اللازم، فإن ظهور حالات جديدة في المجتمع ستدفع بالقاضي والمحامي إلى محاولة تفسير النصوص القانونية والقياس عليها لتشمل الحالات الجديدة التي تظهر في المجتمع، وذلك حتى صدور تشريع جديد أو تعديل تشريعي جديد للنصوص القانونية النافذة.

والقاضي قد يتعرض لحالة جديدة لا تنص عليها القوانين التي بين يديه، فهل ينتظر حتى يصدر قانون جديد يحكم تلك الحالة، أم أنه يجتهد برأيه ويحكم في الدعوى.

طبعاً هنا يتوجب على القاضي أن يحكم في الدعوى، فليس من المعقول أن يبقى الأمر معلقاً بين الخصوم حتى صدور قانون جديد يحكم الحالة المتنازع عليها، وهنا يجد القاضي نفسه أمام أمرين: إما أن يجتهد برأيه وفقاً للقياس على الحالات القانونية التي ذكرها المشرع، أو أن يحاول استنباط حكم جديد وفقاً للمبادئ العامة للتشريع في بلده، أو وفقاً لمبادئ العدالة العامة.

ولعل أفضل حل ينتهجه القاضي في تلك الحالة، هو اعتماده على الأحكام القضائية السابقة التي صدرت عن أسلافه من القضاة، فتلك الأحكام يمكن اعتبارها مرجعاً للقاضي في إصدار أحكام جديدة من حيث القياس عليها، أو الاستئناس بما تضمنته من اجتهادات قضائية.

وهذا ما يسمى بالسابقة القضائية أو السوابق القضائية، وهو موضوع هام جداً يتعرض له كل من القاضي والمحامي، وهو الذي يدفع بالمشرع لإصدار قوانين جديدة أو تعديل القوانين القائمة.

الأنظمة القانونية في العالم ما بين القانون والسابقة القضائية

 تقوم الأنظمة القانونية السائدة في العالم على شكلين، هما نظام السوابق القضائية أو النظام الأنجلوسكسوني، ونظام النصوص القانونية أو النظام اللاتيني.

أولاً – النظام القانوني اللاتيني

 إن أساس هذا النظام يعود للقوانين الرومانية، وتحديداً لقانون الإمبراطور الروماني جوستنيان، حيث اعتمد هذا النظام على ضرورة إصدار قوانين ناظمة للحياة في المجتمع، وعلى القاضي أن يلتزم بتطبيق تلك النصوص القانونية فلا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني، كما يجب على المحامي والقاضي الالتزام بالإجراءات القانونية المتعلقة بالمحاكمة، فالنظام القانوني اللاتيني صارم جداً في تطبيق النصوص القانونية، حيث منح الحق لأي طرف في الدعوى أن يطعن في قانونية أي تصرف من تصرفات القاضي أثناء نظر الدعوى.

وهذا النظام لا يعتمد على السابقة القضائية إلا في حدود ضيقة جداً، لدرجة يمكن اعتبار السابقة القضائية فيه، هي تكرار لنفس الحكم في نفس الحالة، بل مع نفس الأطراف.

ولو أن الدولتين الرائدتين في النظام القانوني اللاتيني، وهما فرنسا وألمانيا قد جعلتا من أحكام محكمة النقض أو التمييز، أو ما يسمى بالمحكمة العليا حجة قانونية ترقى لمستوى النص القانوني، حيث يمكن للقضاة الاعتماد عليها.

وهذا النظام أي النظام القانوني اللاتيني قد انتشر في أغلب دول العالم لدرجة يمكننا اعتبار أكثر من 70% من دول العالم تطبق هذا النظام، وغالبية الدول العربية تعتمد هذا النظام كمصر وسوريا والعراق وليبيا والأردن والإمارات وغيرها من الدول.

ثانياً – النظام القانوني الأنجلوسكسوني

أما النظام القانوني الأنجلوسكسوني فهو نظام السوابق القضائية، حيث تعتبر السابقة القضائية المستقرة نصاً قانونياً يمكن لأي قاضي الاعتماد عليه فيما بعد، ولعل الأساس والمنشأ لنظام السوابق القضائية هو القضاء القبلي أو العشائري، حيث نجد أن أساس السوابق القضائية في أحكام ذلك القضاء.

فالقاضي في نظام السابقة القضائية يقوم بالبحث عن حالة مشابهة سبق الفصل بها من قبل قاض آخر فيدرسها ويستأنس بها ويقيس عليها، ثم يصدر حكمه بناء على ذلك.

فأول ما يبدأ به القاضي في النظام الأنجلوسكسوني أو نظام السوابق القضائية، هو النظر في الأحكام القضائية السابقة واستنباط حكماً منها ينطبق على الحالة التي بين يديه، سواء حكم بنفس الحكم، أو حكم بحكم جديد يتضمن ما يوافق الحالة الجديدة.

وينتشر نظام السوابق القضائية أو النظام القانوني الأنجلوسكسوني في العديد من دول العالم، وعلى رأسها المملكة المتحدة أي بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا والهند وغيرها من الدول.

ثالثاً – النظام القانوني المختلط

الواقع أن كلا النظامين اللاتيني والأنجلوسكسوني لا يتميزان عن بعضهما بشكل قاطع، فغالبية الأنظمة القانونية في العالم تأخذ بشكل أو بآخر بالنظامين معاً، ولو أن أحد النظامين يطغى على الآخر، ففي الدول التي تعتمد النظام القانوني اللاتيني نجد للسابقة القضائية وجوداً واضحاً، والحال نفسه في الدول التي تعتمد النظام الأنجلوسكسوني أو السوابق القضائية، حيث نجد أن النصوص القانونية بدأت تطغى تدريجياً وتلزم القاضي للأخذ بها دون تلك السوابق، مما يعني أننا أمام نظام قانوني مختلط يأخذ بحرفية النص القانوني ويعتمد على السوابق القضائية.

ما هي السوابق القضائية

كثيرا ما نسمع كلمة السابقة أو سوابق قضائية، ولكن ماذا تعني هذه العبارة؟. إن السابقة القضائية يمكن أن نقول عنها كل حكم قضائي صدر في إحدى الدعاوى بشكل فريد، أي لم يسبقه حكم مماثل.

فالسابقة القضائية: هي كل حكم قضائي يصدر عن القاضي لأول مرة وفقاً لاجتهاده الشخصي الناتج عن درايته ومعرفته القانونية، دون أن يستند في ذلك لأي نص قانوني.

ويشترط فيها أمران، هما:

 أولاً – يجب أن يصدر حكم القاضي في الواقعة المعروض أمامه بناءً على اجتهاده دون الاعتماد على نص قانوني صريح، بل يصدره بناءً على اجتهاده وفق الإطار القانوني العام لتشريع الدولة.

ثانياً – يجب أن يكون هذا الحكم جديداً لا نظير له، أي لم يسبق أن حُكم بذات الحكم نفسه من قبل قاضٍ آخر.

وتستعمل السابقة القضائية من قبل العاملين في المجال القضائي والقانوني وعلى رأسهم القضاة والمحامون، فالقضاة يستندون إليها في الوصول إلى قناعة تامة بإصدار الأحكام، بينما المحامون فيعتمدون على السوابق القضائية في دفوعهم المقدمة للمحكمة.

وإن اعتماد القضاء في أية دولة من الدول على السابقة القضائية يدل على مرونة وانفتاح في السياسة التشريعية لديها، حيث أن المجتمع قد تظهر فيه حالات لا تغطيها القوانين القائمة، وهنا يتوجب على القاضي الاجتهاد في إصدار الأحكام القضائية اللازمة، وإذا ما وجد سابقة قضائية تنطبق على الحالة المعروضة أمامه، فإنه يحكم بها.

فالقاضي أقرب العاملين في المجال القانوني لبيان قصور القوانين والتشريعات النافذة، فمن خلال التطبيق العملي لنصوص القانون يكتشف ذلك النقص، وإذا ما ترك الأمر للمشرع حتى يسد ذلك النقص، فإن ذلك يحتاج لوقت طويل قد يفوت مصلحة المتنازعين، ويؤدي لاختلال ميزان العدالة بسبب إطالة أمد النزاعات حتى صدور نصوص قانونية تحكم ذلك.

وبناءً عليه فإن أغلب التشريعات منحت القاضي الاجتهاد، وبنفس الوقت ضبطت هذا الاجتهاد من خلال أعلى هيئة قضائية في الدولة، وهي محكمة التمييز أو محكمة النقض أو المجلس الأعلى للقضاء.

 هل السوابق القضائية ملزمة في القضاء السعودي؟

 إذا ما أردنا أن نعرف مدى التزام القضاء السعودي بالسوابق القضائية في إصدار أحكامه، فإننا يجب أن نعود إلى نظام القضاء السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/78 لعام 1428هـ، حيث نصت المادة 14 من هذا النظام على أنه:

إذا رأت إحدى الدوائر في المحكمة العليا حين معالجتها لإحدى القضايا أن تعدل عن مبدأ قضائي سبق لها أن أخذت به، أو أخذت به أي دائرة أخرى في المحكمة نفسها في قضايا سابقة، أو إذا رأت دوائر محكمة الاستئناف أن تعدل عن مبدأ سبق أن أخذت به إحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا في قضايا سابقة، فهنا يتوجب رفع الأمر إلى رئيس المحكمة العليا ليتم إحالته إلى الهيئة العامة للمحكمة العليا للفصل فيه.

 نلاحظ من النص السابق أن النظام القضائي السعودي قد أخذ بمبدأ السابقة القضائية وجعلها كالنص القانوني في التطبيق والاحترام وفي مدى الحجية، ونستنتج ذلك من قوله (العدول عن مبدأ سبق الأخذ به في قضايا سابقة)، فكلمة سبق الأخذ به تعني الاعتماد على السابقة القضائية، كما أن هذه السابقة القضائية لا يجوز العدول عنها جزافاً، بل يجب رفع الأمر إلى الهيئة العامة للمحكمة العليا لتفصل في أي سابقة قضائية تعتمدها المحكمة العليا، وبعد الفصل فيها ستصبح السابقة القضائية معتمدة مثلها مثل أي نص قانوني واجب التطبيق.

وبالتالي فإن نظام القضاء السعودي قد أخذ بعين الاعتبار نظام السوابق القضائية وجعل تلك السوابق معتبرة ومحترمة في القضاء، وهو في هذه الحالة يتقارب كثيراً مع النظام القانوني الأنجلوسكسوني بالرغم من أن النظام القانوني في السعودية يمكن اعتباره نظام مختلط ما بين النظام اللاتيني والنظام الأنجلوسكسوني، مع تفرده بنظام خاص مستمد بالدرجة الأولى من الشريعة الإسلامية.

وهذا ما يدفعنا للقول بأن هناك ثلاثة أنظمة قانونية في العالم هي النظام اللاتيني والنظام الأنجلوسكسوني والنظام الإسلامي، والواقع أن أغلب القوانين العربية تعتمد الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي من مصادر التشريع، كما أن الكثير من القوانين الوضعية تستند في العديد من موادها القانونية بشكل أو بآخر لما جاءت به الأحكام الفقهية الإسلامية.

قد تحتاج للتواصل مع: محامي القضايا الإدارية وديوان المظالم في السعودية.

ما الفرق بين السابقة القضائية و حجية الأمر المقضي به

هناك مبدأ قانوني يتقارب بشكل شديد مع السابقة القضائية، وهو حجية الأمر المقضي بي، حيث أن حجية الأمر المقضي به تعتبر إحدى وسائل الإثبات في القوانين والتشريعات على مستوى العالم، وهو ما يسمى بالقرينة القضائية.

ونظام الإثبات السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/43 لعام 1443هـ، قد اعتمده القرينة القضائية كوسيلة من وسائل الإثبات، وهي ما يسمى بحجية الأمر المقضي به.

حيث نصت المادة 86 من نظام الإثبات السعودي على أن الأحكام التي حازت حجية الأمر المقضي أو المحكوم به، تعتبر حجة ودليلاً قاطعاً فيما فصلت فيه من حقوق، ولا يجوز نقض هذه الحجية بأية وسيلة من الوسائل، إلا أن هذه المادة اشترطت لاعتبار تلك الحجية مطلقة في الأحكام القضائية الصادرة الشروط التالية:

  1. يجب أن يكون الحكم صادراً بين الخصوم المتنازعين أنفسهم، أي أن يكون طرفي الدعوى الجديدة هما نفسهما الذين صدر بحقهما الحكم السابق.
  2.  لا يكفي أن يكون الخصمان المتنازعان نفسهم، بل يجب أن لا تتغير صفاتهم فالمدعي يبقى مدعي، والمدعى عليه يبقى مدعى عليه.
  3.  يجب أن يكون موضوع الدعوى منصباً على الحق ذاته محلاً وسبباً للدعوى التي صدر بها الحكم السابق.
  4.  إن التمسك بحجية الأمر المقضي به تعتبر من مسائل النظام العام التي تستطيع المحكمة أن تقضي بها من تلقاء نفسها دون طلب الخصوم.
  5.  كما يحق لأي من الخصوم الدفع بحجية الأمر المقضي به في أي مرحلة من مراحل الدعوى لتعلق ذلك بالنظام العام.

نستنتج مما سبق أن السابقة القضائية تختلف عن حجية الأمر المقضي به، فالسابقة القضائية هي صدور حكم فريد في أمر جديد لم تغطيه النصوص القانونية ناتج عن اجتهاد القاضي وإصدار حكمه بذلك، بينما حجية الأمر المقضي به، فتعني وجود حكم سابق بنفس الدعوى ونفس الأطراف دون تغير صفاتهم وذات الحق المدعى به.

فالسابقة القضائية يُعتمد عليها في إصدار حكم بدعوى مستقلة عن الدعوى التي صدر فيها الحكم القضائي المعتبر سابقة قضائية، بينما حجية الأمر المقضي به يُعتمد عليها كقرينة قضائية لعدم إعادة التقاضي بدعوى صدر الحكم فيها وانتهى أمرها، وذلك من باب استقرار القضاء.

 وفي نهاية مقالتنا أرجو أن نكون قد وضحنا لكم السوابق القضائية وأهميتها في العمل القانوني، والواقع أن كثيراً من الدعاوى المعروضة أمام القضاء قد تم حسمها بالسوابق القضائية، وذلك يعود لحنكة المحامي وخبرته الواسعة في القانون والأحكام القضائية، وهذا المحامي المحنك ستجده بلا شك لدى مكتب الصفوة للمحاماة والاستشارات القانونية الذي يضم فريقاً متكاملاً من المحامين والاستشاريين القانونيين المتمكنين في كافة الأنظمة النافذة بالمملكة العربية السعودية.


المصادر والمراجع:

  1. مدونة الأحكام القضائية (الإصدار الثالث)
  2. نظام القضاء السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/78 لعام 1428هـ
  3. نظام الإثبات السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/43 لعام 1443هـ

انظر أيضاً:

محامي قضايا ديوان المظالم بجدة (السعودية).

هل ساعدك الموقع على الوصول إلى المحتوى المطلوب ؟

انقر على النجوم للتقييم (من اليمين إلى اليسار)

1 / 5. 1

لا يوجد تقييمات حتى الآن

Avatar of حسين الدعدي
نبذة عن حسين الدعدي

حسين الدعدي, محامي ومستشار قانوني سعودي الجنسية؛ حاصل على بكالوريوس في الشريعة بدرجة ممتاز من جامعة أم القرى في مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية. ومالك لمكتب الصفوة للمحاماة والاستشارات القانونية.

أضف تعليق

متجر الصفوة اطلب خدمات قانونية
لديك استشارة قانونية؟
تواصل مع محامي