الشروع في الجريمة في القانون السعودي

6 دقائق للقراءة
3
(7)

لا تقوم الجريمة دون اكتمال أركانها وتوافر شروطها التي حددها القانون، فماذا إن لم تكتمل الأركان والعناصر؟ في هذه الحالة وإن لم يؤدي الفعل والسلوك الإجرامي إلى الهدف والنتيجة الإجرامية فلا تعد جريمة تامة وإنما قد يعتبرها القانون الشروع في الجريمة. وهذا ما سنقوم بشرحه في هذا المقال حيث أننا سنشرح مفهوم الشروع في الجريمة في القانون السعودي أركانها وعقوبتها وأنواعها.

لا شك أن القوانين تعاقب على الجرائم التامة نظراً لجسامة النتيجة والفعل، ولكنها تعاقب أيضاً على الشروع في الجريمة نظراً للمحاولة التي أقدم عليها الجاني ورغبته الحقيقة في تنفيذها وامتلاكه الإرادة المتمثلة بالاعتداء على مصالح محمية قانونياً.

لديك استفسار؟ تواصل مع محامي القضايا الجزائية في مكتبنا الآن.

ماذا يعني الشروع في الجريمة في القانون السعودي

يتمثل الشروع في الجريمة في القانون السعودي بارتكاب سلوك ممنوع أو محظور قانونياً وكان يمكن له أن يكون جريمة تامة لولا النقص في أحد عناصر الركن المادي، والذي أعادها من جريمة إلى محاولة القيام بالجريمة أو الشروع فيها، فلم يحملها العقوبات الخاصة بالجريمة وكذلك لم يعفيها من العقوبة.

وصحيح أن الشريعة الإسلامية لا تحتوي نصاً صريحاً يقوم على تجريم الشروع في الجرائم وإنما انتمت لجرائم التعزير وتم ترك الأمر والحكم بها للقاضي، ولكن إقدام الجاني وعزمه على إتمام الجريمة يجعله خطراً بالنسبة للقوانين، وعلى الرغم من عدم وجود عقوبة واضحة للشروع في الجريمة في بعض الجرائم إلا أن الكثير من الجرائم الأخرى تضمنت قوانينها وأحكامها عقوبات مفروضة على الشروع في الجريمة، وذلك كما في نظام مكافحة الرشوة ونظام مكافحة المتاجرة بالأشخاص أو نظام مكافحة جرائم التزوير.

وبذلك فإن القانون السعودي يعتبر أن الشروع في الجريمة يسقط الركن المادي للجريمة بسبب نقص أحد أهم عناصره وهو النتيجة الإجرامية والتي كان من المفترض حدوثها بسبب الفعل الإجرامي، ولكنها لم تحدث لسبب ما كاستحالة حدوث هذه الجريمة أو لتراجع المقدم عليها لسبب من الأسباب.

أركان الشروع في الجريمة في القانون السعودي:

مما سبق يمكن الاستنتاج أن أركان الشروع في الجريمة في القانون السعودي ثلاثة؛ وهي:

أولاً؛ الركن المادي:

بينما يمثل البدء في تنفيذ الفعل الخاص بالجريمة ثالث مراحلها إلا أنها تعد الركن الأول من أركان الشروع في الجريمة في القانون السعودي، بحيث يأتي بعد التفكير وتحضير الحاجات اللازمة للبدء بالسلوك الإجرامي، كما أنها المرحلة الأولى التي يتخذ القانون منها موقف التنفيذ والتجريم، فلا عقوبة على ما يسبق الشروع ولكنه محكوم بالقانون حتى وإن لم تتم الجريمة.

موقف المشرع السعودي من الشروع في الجريمة: لم يعتمد المشرع السعودي المذهب الموضوعي أو المذهب الشخصي في تحديد وإخضاع لحظة تنفيذ الجريمة، وإنما اعتمد المزج بين المذهبين وذلك بدراسة ما يحدثه السلوك من أذى وخطر ينم عن خطورة الجاني، وعليه فإن القانون في المملكة العربية السعودية يترك أمر تحديد ذلك للسلطة التقديرية للقاضي المسؤول عن القضية.

يوجد وجهات نظر مختلفة حول وضع الحد الذي يفرق ما بين التحضير للجريمة والبدء بتنفيذها، وتمثل ذلك في مذهبين أساسيين، هما: 

  • المذهب الموضوعي: وهو يعود للمدرسة التقليدية بحيث يعتمد اعتماداً أساسياً على الركن المادي للجريمة، فيقوم بتمييز التحضير للجريمة والبدء بتنفيذها بالسلوك الإجرامي، كأن يبدأ التنفيذ عند لحظة إطلاق النار في جريمة القتل أو لحظة إمساك المال في جريمة السرقة، ولذلك تم انتقاد هذا المذهب لتجاهله أفعال وسلوكيات تدخل ضمن حيز التنفيذ كالإمساك بالسلاح الناري في جرائم القتل أو الدخول إلى المكان الذي يقصد الجاني سرقته، وبعد انتقاده تم تعديله ليشمل بعض السلوكيات التي لم تكن كافية لسد الثغرات، كإضافة سلوك دخول المكان المقصود للسرقة عن طريق الكسر أو تجاوز السور بطريقة غير مشروعة، فإن كان السارق يهدف إلى السرقة عند زيارته للمنزل بصفته ضيف أو كان خادماً فلا يشمله هذا التعديل.
  • المذهب الشخصي: وهو يعود للمدرسة الوضعية بحيث يعتمد اعتماداً أساسياً على النظر إلى الجريمة من وجهة نظر شخصية، فيقوم بتمييز التحضير للجريمة والبدء بتنفيذها بالخطورة التي ينطوي عليها السلوك، فلا ضرورة للبدء بالسلوك وإنما يكفي وجود سلوك يمثل خطورة الجاني، كأن يبدأ التنفيذ عند لحظة إشهار السلاح  وليس لحظة إطلاق النار في جريمة القتل، وبذلك فهو القيام بعمل يؤدي إلى ارتكاب جريمة ولكنه لا يشترط أن يؤديها بشكل آني، ففي حال قيام عصابة بحفر نفق لسرقة مصرف فإن البدء بالتنفيذ هو البدء بحفر النفق وفقاً لهذا المذهب لأنه يؤدي إلى ارتكاب الجريمة ولكن ليس في اللحظة الحالية وإنما يحتاج لبعض الوقت.

ثانياً؛ الركن المعنوي:

وهو الشروع بوجود قصد في ارتكاب السلوك الإجرامي وانصراف الإرادة إلى تنفيذه، وبذلك يتوفر القصد الجنائي، فإذا تم إثبات أن المتهم عدم إرادة في تحقيق النتيجة الإجرامية وإنما أراد الاكتفاء بمرحلة الشروع دون تنفيذ الفعل وإتمام الجريمة فلا يتم محاكمته على أساس الجريمة التامة وإنما يسأل فقط عن حدود الأفعال التي قام بها، بالإضافة إلى وجود حالات لا يتطلب فيها وجود الركن المعنوي:

  • الجرائم غير العمدية فلا شروع لها لأن لا نية للقيام بها ومنها القيادة بسرعة فالسائق لا يقصد قتل الأشخاص من ذلك.
  • الجرائم التي لا يتحقق بها القصد الجنائي لفاعلها كأن يقصد شخص ضرب آخر ولكن الضرب أدى إلى الموت فالفاعل قصد الضرب ولكنه لم يقصد القتل.
  • المخالفات فلا يشترط القصد الجنائي فيها وذلك لأنها بسيطة.

ثالثاً؛ الركن الخاص:

وهو عدم إتمام الجريمة والحصول على نتيجتها الإجرامية بسبب وجود عذر خارج عن الإرادة، ويتم ذلك في صورتين:

  • الشروع الناقص: وهو عدم إتمام الجريمة لسبب خارج عن الإرادة ولكنه حصل قبل تمام السلوك، كأن يتم منع شخص يشهر السلاح لإطلاق النار من قبل شخص آخر.
  • الشروع التام، وهو عدم إتمام الجريمة لسبب خارج عن الإرادة ولكنه حصل بعد تمام السلوك.

وعند تحقيق أي من الحالتين فإذا ذلك لا يسقط جريمة الشروع في القانون السعودي وذاك لأن إيقافها كان بسبب إرادة خارجية وليست إرادة الجاني، فإن كان الجاني قد عدل عن الشروع بها بإرادة الشخصية تسقط جريمة الشروع عنه لسقوط الركن الشخصي بشرط حصول ذلك قبل تمام الشروع وبالتالي لا عقاب له، ويتم ذلك بقصد تشجيع المقدمين على تنفيذ الجرائم بالعدول الاختياري عنها وإمكانية التراجع.

أنواع الشروع في الجريمة في القانون السعودي:

للشروع في الجريمة أنواع متعددة يمكن تحديدها فيما يلي:

  • الجريمة الموقوفة: وهي قيام الجاني بالتخطيط للجريمة ووجود النية والقصد في تحقيق النتيجة الإجرامية الخاصة بالجريمة، ولكنه لم يستطع تحقيق هذه النتيجة بسبب وجود عامل خارج حال دون إمكانيته من ذلك، كأن يخطط شخص لقتل شخص وتربص به لإتمام الجريمة ولكن الشرطة أمسكت به أثناء ذلك وقبل تحقيق نتيجته.
  • الجريمة الخائبة: وهي قيام الجاني بالتخطيط للجريمة ووجود النية والقصد في تحقيق النتيجة الإجرامية الخاصة بالجريمة، ولكنه لم يستطع تحقيق هذه النتيجة لسبب خارج عن الإرادة، كأن يقدم شخص على قتل شخص آخر بسلاح ناري وأطلق النار عليه ولكنه اخطأ التسديد أو استطاع المجني عليه الهرب.
  • الجريمة المستحيلة: وهي قيام الجاني بالتخطيط للجريمة ووجود النية والقصد في تحقيق النتيجة الإجرامية الخاصة بالجريمة، ولكنه لم يستطع تحقيق هذه النتيجة لأنها جريمة مستحيلة، كمحاولة قتل شخص ومن ثم اكتشاف أنه ميت، وللجريمة المستحيلة عدة أشكال:

المراحل الشائعة للشروع في الجريمة:

تم تحديد ثلاث مراحل للجريمة وهي تتم بالترتيب التالي:

مرحلة التفكير: وهي مرحلة لا عقوبة لها وذلك لأنه لا يوجد جريمة بدون فعل، فلا إمكانية للجزم فيما يدور في الذهن ويعتمر في النفس بدون سلوك خارجي يظهر ذلك، وبالتالي لا عقوبة على التفكير في ارتكاب جريمة، ولكن هناك بعض الاستثناءات تستوجب وجود عقوبة رغم أنها مجرد أفكار أو أقوال ومنها: 

  • اتفاق مجموعة على القيام بفعل والتخطيط لها.
  • التحريض والتوجيه إلى قيام شخص بجريمة ما ففي بعض الأنظمة القانونية يعاقب المحرض على ارتكاب جريمة.
  • تهديد شخص بارتكاب جريمة ما «معرفة المزيد».

مرحلة التحضير: وهي المرحلة التي يقوم بها الشخص بتهيئة الوسائل والظروف لإتمام الجريمة كأن يقوم بتحضير السم الذي يريد استخدامه أو شراء سلاح ناري أو شراء معدات خاصة بالتزوير، وبشكل عام لا يعاقب القانون على هذه المرحلة كونها لا تشترط البدء بالتنفيذ، فقد يقوم شخص بشراء سلاح بقصد الصيد أو للدفاع عن النفس وليس بهدف قتل شخص، وتم عفو هذه المرحلة من العقاب بهدف مساعدة الجناة وتشجيعهم عن العدول عن إتمام الجرائم. ولكن هناك بعض الاستثناءات تستوجب وجود عقوبة نظراً لأن التحضير فيها يشكل عقوبة مستقلة: 

  • المساهمة والمساعدة في تحضير الوسائل الخاصة بالجريمة.
  • الحصول على نسخ حقيقة من المفاتيح الخاصة بمكان بقصد دخوله وسرقته.
  • المساعدة على الانتحار.

مرحلة التنفيذ: وهي المرحلة التي تتحول بها الأفعال من التفكير والتحضير إلى التنفيذ، ومن الأفعال التي لا يعاقب عليها القانون إلى أفعال غير مشروعة يعاقب عليها القانون، ويتحقق بذلك كافة العناصر الخاصة بالركن المادي للجريمة.

سقوط جريمة الشروع في القانون السعودي:

يتم ذلك في العديد من الحالات التي يتم الإقدام فيها على جريمة دون اكتمالها ولكن لسبب ما تعفى من العقاب ولا يتم اعتبارها شروعاً في الجريمة وفقاً للأنظمة والقوانين:

  • أن يقوم الشخص بالتفكير في كل تفاصيل الجريمة ويخطط لها بطريقة بسيطة أو بطريقة دقيقة ومركبة لا يعد شروعاً في الجريمة ما زال كل ما يقوم به هو ذلك ولم يعمل على اتخاذ سلوك واضح في تحقيق الجريمة.
  • أن يقوم شخص بالتحضير للجريمة وجلب الأدوات والتجهيزات التي يربد استخدامها في جريمته ولكنه لم يقم باستخدام أي من هذه الأدوات فإن لا عقوبة لذلك إلا في بعض الاستثناءات القانونية.
  • أن يقوم الشخص بالشروع في الجريمة ولكنه تراجع بإرادته واختياره رغم قدرته على إتمام السلوك وتحقيق النتيجة الإجرامية يسقط عنه جريمة الشروع باستثناء الحالات التي يعد فيها الشروع بحد ذاته جريمة.

تطبيق قضائي لقضية الشروع في الجريمة في القانون السعودي

فيما يلي قضية جنائية تعتبر من السوابق القضائية التي يمكن الاستئناس بها حدثت في المملكة العربية السعودية، تتمثل الدعوى صاحبة الرقم 36881 بالشروع في جريمة قتل أحداثها كالتالي:

قام المدعي برفع دعوى ضد أخيه (المدعى عليه) بسبب محاولة الشروع في قتله ويطالب فيها بحقه الخاص، وذلك بعد تلقي الشرطة بلاغاً بتعرض مواطن في الرياض في المملكة العربية السعودية وإصابته بطلق ناري وبعد القيام بالإجراءات المناسبة تم التأكد من صحة أقواله، ووجهت النيابة العامة الاتهام للمدعى عليه بمحاولة الشروع بقتل المدعي، ولكن خلال التحقيقات أنكر الجاني قيامه بذلك وقدم الدفوع بأنه كان خلال ذلك الوقت خارج مدينة الرياض، ولكن تم إيجاد السلاح وظروف فارغة في سيارة قام المدعى عليه باستئجارها، ولكنه أنكر ذلك وطالب بالأدلة التي تدينه، ونظراً لعدم إمكانية إثبات ذلك وعدم كفاية الأدلة قررت المحكمة ما يلي:

  • رد الدعوى التي قدمها المدعي وذلك لعدم كفاية الأدلة.
  • وجود شبهة قوية في قيام المدعى عليه بإطلاق النار على المدعي ولذلك سيتم تعزيزه بالسجن لمدة ثلاث سنوات من تاريخ توقيفه، بالإضافة إلى جلده 300 جلدة متفرقة وذلك على ست دفعات بحيث تتضمن كل دفعة خمسين جلدة تفصل بين الدفعة والأخرى عشرة أيام.

إلى هنا نكون قد انتهينا من مقالنا حول الشروع في الجريمة في القانون السعودي؛ يمكنكم قراءة المزيد من المواد القانونية مثل: شهادة الشهود في النظام السعودي أو أركان جريمة الرشوة في النظام السعودي وعقوبة أطرافها.

يقدم استشارات قانونية حول هذا الموضوع: محامي قضايا جنائية في جدة.


المصادر والمراجع:

هل ساعدك الموقع على الوصول إلى المحتوى المطلوب ؟

انقر على النجوم للتقييم (من اليمين إلى اليسار)

3 / 5. 7

لا يوجد تقييمات حتى الآن

Avatar of حسين الدعدي
نبذة عن حسين الدعدي

حسين الدعدي, محامي ومستشار قانوني سعودي الجنسية؛ حاصل على بكالوريوس في الشريعة بدرجة ممتاز من جامعة أم القرى في مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية. ومالك لمكتب الصفوة للمحاماة والاستشارات القانونية.

رأي واحد حول “الشروع في الجريمة في القانون السعودي”

أضف تعليق

متجر الصفوة اطلب خدمات قانونية
لديك استشارة قانونية؟
تواصل مع محامي