عقوبة الافتراء في القانون السعودي

سنتحدث في مقالتنا هذه عن عقوبة الافتراء في القانون السعودي، وكيف يتم إثبات الافتراء، أو إثبات البلاغ الكاذب أو الدعوى الكيدية، وما عقوبة كل من تلك الأفعال في النظام السعودي النافذ.


إن من أكثر الأمور إيلاماً للإنسان، هو اتهامه بما ليس فيه، ذلك أن هذا الاتهام قد يؤدي إلى تشويه سمعته، بل قد يؤدي لمساءلته قانوناً من قبل السلطات القضائية في الدولة أيضاً.

والافتراء لغةً: يقصد به الكذب في حق أحدهم بنعته بصفة سيئة، أو اتهامه بأمر أو فعل مشين.

وقد اتفقت كافة الشرائع السماوية على ذم الافتراء والنهي عنه، فقد قال الله سبحانه وتعالى:

(يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم).

كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(أعظم الناس فرية اثنان هما: شاعر يهجو القبيلة بأسرها، ورجل انتفى من أبيه).

وعقوبة المفتري دنيوية وأخروية، فعقوبته في الآخرة شديدة، إذ توعد الله سبحانه وتعالى بالعذاب الشديد، كل من يقوم بالافتراء والكذب على الناس واتهامهم باطلاً بما ليس فيهم.

أما في الدنيا فإن عقوبة الافتراء تفرض بحق المفتري حين يقوم الشخص المفترى عليه بالشكوى والادعاء عليه في ذلك، فإن ثبت افتراءه، فإنه سينال جزاءه وفق الأنظمة والقوانين النافذة في البلاد.

ما هي عقوبة الافتراء في القانون السعودي

إن الافتراء الذي يعاقب عليه القانون، هو الكذب على الأشخاص الآخرين بطريقة تؤدي إلى مساءلتهم أمام القضاء، وهذا ينقلنا بدوره إلى الشكوى أو الدعوى الكيدية.

وإذا ما أردنا أن نبحث عن عقوبة الافتراء في النظام السعودي، فإننا سنجدها نفسها عقوبة الدعوى الكيدية أو الاتهام الباطل.

 فالدعوة الكيدية: هي قيام أحد الأشخاص بالادعاء على شخص آخر بأنه قد ارتكب جرماً بحقه، بينما في الحقيقة لم يرتكبه أبداً.

وبالعودة لأحكام نظام المرافعات الشرعية السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم /1 لعام 1435هـ، فإن المادة الثالثة من هذا النظام اشترطت في المدعي أن تكون لديه مصلحة قائمة ومشروعة في الادعاء، أو مصلحة محتملة فيه، وذلك لدفع ضرر محقق، أو لتوثيق حق يخشى زوال دليله إذا ما حدث نزاع أمام القضاء فيه.

وبنفس الوقت أعطت الحق للمحكمة فيما إذا كانت الدعوى كيدية بأن ترفضها وتحكم على المدعي بالعقوبات التعزيرية.

وبما أن هذا النص غير كافٍ لمعرفة عقوبة الافتراء، أو عقوبة دعوة الكيدية في القانون السعودي، فإننا سنلجأ إلى اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية الصادرة بقرار وزير العدل رقم 39933 لعام 1435هـ، حيث نصت المادة 3/4 من تلك اللائحة على أنه يحق للمحكمة تعزير كل من يثبت تواطؤه في الدعوى الكيدية كالشاهد والخبير وغيرهما.

كما أعطت المادة 3/5 من ذات اللائحة للمتضرر في الدعاوى الكيدية المطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر، وذلك إما بطلب عارض أثناء نظر الدعوى المقامة بحقه، أو بدعوة مستقلة لدى المحكمة نفسها، ويكون الحكم الصادر في ذلك خاضعاً لطرق الاعتراض.

وبالتالي فإن عقوبة الافتراء في القانون السعودي وفقاً للنظام السعودي تكون عقوبة تعزيرية يتم تقديرها من قبل القاضي، فقد تشمل السجن أو الجلد أو الغرامة أو قد تشمل كافة هذه العقوبات مجتمعة.

جريمة الافتراء في القانون السعودي

إن الافتراء يعتبر جريمة من الجرائم التي يعاقب عليها النظام السعودي، وإذا ما أردنا أن نعرف جريمة الافتراء من الناحية القانونية فإننا نقول بأنها:

«اتهام شخص زوراً وبهتاناً بارتكابه فعل إما أن يكون مشناً يؤدي لتشويه السمعة والتشهير بالمجني عليه، أو يكون فعلاً مجرماً يؤدي لمعاقبته وفقاً للنظام السعودي»

وبالتالي يشترط لقيام جريمة الافتراء التي يعاقب عليها النظام السعودي الشروط التالية:

  1.  اتهام أحد الأشخاص بما ليس فيه، أي لا بد من توفر عنصري الكذب والزور.
  2.  أن يكون هذا الاتهام أمام المجتمع، فإذا ما كان أمام إحدى السلطات القضائية المخولة بسلطة التجريم والعقاب، أي أن يكون هذا الافتراء بموجب شكوى أو بلاغ للشرطة أو للنائب العام أو للمحكمة بشكل مباشر، فإن الافتراء يعتبر في هذه الحالة إما شكوى كيدية أو بلاغ كاذب.
  3.  يجب أن يكون الفعل موضوع الافتراء يشكل عيباً أو انتقاصاً في كرامة المفترى عليه، أو أن يكون جرماً يعاقب عليه القانون السعودي.

 وبالتالي فإن جريمة الافتراء مثلها مثل أي جريمة يجب أن تتوفر فيها أركان الجريمة الجنائية:

 أولاً – الركن المادي للجريمة: ويتمثل في عناصره الثلاثة وهي، الفعل والنتيجة والرابطة السببية بينهما.

  • والفعل المشكل لجريمة الافتراء يكون اللفظ باتهام المجني عليه بفعل أو بجرم لم يرتكبه، وذلك إما بالإبلاغ الشفهي أو الإبلاغ المكتوب.
  • أما النتيجة الجرمية فهي أن هذا الفعل قد يؤدي لمعاقبة الشخص المفترى عليه ويلحق به أضراراً مادية ومعنوية جسيمة.
  • أما الرابطة السببية فهي أن الأضرار التي لحقت بالشخص المفترى عليه، يجب أن تكون ناتجة بشكل مباشر عن فعل الافتراء، فإذا ما انتفت الصلة السببية بينهما، كأن تكون الأضرار التي لحقت به نتيجة أعمال الغير، ومن ذلك ادعاء أحد الأشخاص على المفترى عليه بجرم صحيح قد ارتكبه، فنتج عن ذلك أضرار مادية ومعنوية للمتهم نتيجة الاتهام الصحيح، فإن الاتهام الباطل هنا لا يكون له تأثير في نشوء تلك الأضرار، وإنما يمكن للشخص المفترى عليه أن يعتبرها قد زادت من تلك الأضرار.

 ثانياً – الركن المعنوي: ويتمثل في عنصرين هما النية الجرمية، وإرادة الوصول للنتيجة الجرمية.

  • والنية الجرمية هي علم الشخص المفتري بأن الفعل الذي يقوم به هو افتراء على المجني عليه، وأن ذلك سيؤدي إلى الإضرار به مادياً ومعنوياً وقد يؤدي لمعاقبته بفعل لم يرتكبه.
  • أما إرادة النية الجرمية، فتتمثل في أن الشخص المفتري يعلم بنتيجة فعله ويريد الوصول إلى تلك النتيجة، ولعل ذهاب الشخص إلى دوائر الشرطة وتقديم دعوى أو شكوى كيدية بحق أحد الأشخاص يعتبر قرينة قانونية واضحة على أن هذا الشخص حين اشتكى لم يقصد فقط فعل الافتراء، بل أراد الوصول للنتيجة من ذلك الفعل، وهي أن يتم معاقبة الشخص المفترى عليه.

كيفية إثبات البلاغ الكاذب

إذا ما قام أحد الأشخاص بإبلاغ السلطات المختصة ببلاغ كاذب عنك، وكانت الأفعال التي اتهمك فيها من الأفعال المجرمة التي تستوجب عقوبتك، فإن تلك السلطات سواء أكانت الشرطة أو هيئة التحقيق والادعاء العام سيتصلون بك ليتم استجوابك.

وهنا يتوجب عليك الدفاع عن نفسك، وأن تكون رابط الجأش أثناء التحقيق والاستجواب، وكن على ثقة بأن العدالة ستأخذ مجراها.

فإذا ما اتضح أن البلاغ كاذب أو الدعوى كيدية، فإن ذلك المفتري أو المبلغ سينال جزاءه وفقاً لما نصت عليه أحكام المادة الثالثة من نظام المرافعات الشرعية، وهي فرض عقوبة تعزيرية بحقه، كما يمكنك المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بك جراء هذا البلاغ الكاذب.

كما يمكنك إثبات كذب البلاغ وزوره بكافة وسائل الإثبات المقررة في نظام الإثبات ، ومن ذلك الوثائق المكتوبة، أو شهادة الشهود، أو القرائن القانونية والقضائية، أو إقرار المشتكي نفسه.

وإذا ما تعرضت لبلاغ كاذب أو دعوى كيدية، فإنه من الأفضل لك توكيل محامي مختص في تلك الدعاوى، وهذا المحامي يمكن أن يقدمه لك مكتب الصفوة للمحاماة والاستشارات القانونية الذي يضم نخبة من ألمع وأفضل محامي قضايا جنائية في جدة وعلى مستوى المملكة العربية السعودية.

 إذا يمكن لهذا المحامي أن يثبت عدم صحة البلاغ على النحو التالي:

  1.  إثباته انتفاء أحد أركان الجريمة، كأن يثبت انتفاء الركن المادي أو الركن المعنوي للجريمة المتهم بها وفقا للبلاغ الكاذب.
  2.  توضيحه لجهة التحقيق أن الفعل المسند إليك لا يستوجب العقاب أو ليس هناك نص جزائي يتعلق بالمعاقبة عليه.
  3.  يمكنه الدفع بأن الفعل المسند إليك يستوجب العقوبة التأديبية فقط.
  4.  يمكنه الدفع عدم بعدم صحة الواقعة من أساسها.
  5.  يمكنه الدفع بأن من قام بالتبليغ لا يمكنه إثبات الواقعة التي اتهم فيها موكله.
  6.  يمكن المحامي أيضاً إثبات وجود دعوى مدنية يتم النظر بها في ذات الموضوع، وأن إقامة الدعوى الجزائية تعتبر كيدية فقط، وأن الموضوع منظور أمام القضاء المدني.

 الافتراء الإلكتروني

إن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير في المجتمع قد أدى إلى ظهور الكثير من جرائم الافتراء عبر تلك الوسائل، وهي ما يمكن أن نسميها بجرائم الافتراء الإلكتروني.

وجريمة الافتراء هنا تتقارب مع جريمة تشويه السمعة أو التشهير، وهي لا تتطلب أن يتم اتهام الشخص كيدياً أمام إحدى الجهات المختصة في تطبيق العدالة.

بل يكفي أن يتم الافتراء على الشخص عبر الشبكات المعلوماتية، مما يؤدي للإضرار بسمعته، فينتج عن ذلك أضراراً مادية ومعنوية تلحق به، كأن يكون هذا الشخص مرموقاً في المجتمع، فيؤدي الافتراء عليه إلى تشويه سمعته.

أو أن يكون هذا الشخص تاجراً أو صاحب شركة، فيؤدي الافتراء عليه إلى فوات الكثير من العقود والصفقات التي كان ينوي إبرامها نتيجة تشويه سمعته أو التشهير فيها.

وقد تم معاقبة المفتري الكترونياً في نظام مكافحة جرائم المعلوماتية السعودي، حيث نصت المادة الثالثة بفقرتها الخامسة من هذا النظام على عقوبة ذلك المفتري بالسجن مدة لا تزيد على السنة، وبالغرامة بما لا يزيد على 500,000 ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

أسئلة وأجوبة حول الافتراء في القانون السعودي

سؤال: كيف أرفع قضية اتهام باطل؟

الجواب: يمكنك رفع هذه القضية بإحدى طريقين:

  • الأول – بأن تتقدم بطلب عارض أثناء نظر الدعوى الكيدية المقامة بحقك.
  •  الثاني – بأن تقوم برفع دعوى مستقلة أمام ذات المحكمة ضد الشخص الذي افترى عليك.

سؤال: هل يجوز اتهام شخص دون دليل؟

الجواب: إن هذا السؤال يعتبر مهماً جداً لكل شخص لديه شكوى أو دعوى يريد أن يقيمها أمام الجهات المختصة. فهنا يتوجب عليه أن يتأكد من الدليل الذي يدعم دعواه، إذ أن الاتهام بدون دليل قد يؤدي إلى اتهامه هو نفسه بالدعوى الكيدية، ومعاقبته بالعقوبة التعزيرية وفقاً للنظام السعودي.

سؤال:  هل هناك فرق بين الدعوى الكيدية والبلاغ الكاتب؟

الجواب: نعم هناك فرق، فالدعوى الكيدية: هي التي يتقدم بها شخص معين إلى القضاء مدعياً فيه على شخص آخر، بأنه قد ارتكب بحقه جريمة من الجرائم المستوجبة للعقوبة، أي أن الغاية من الدعوى الكيدية هي فقط الإضرار بالمدعى عليه ومحاولة ايقاع العقاب به والحصول على تعويض منه.

أما البلاغ الكاذب: فهو أن يقوم أحد الأشخاص بإبلاغ السلطات المختصة كالشرطة أو النيابة العامة، بأن هناك جريمة قد وقعت في منزل فلان مثلاً، والغاية فقط هي الإضرار به وإقلاق راحته وإزعاج السلطات العامة.

فنلاحظ أن الدعوى الكيدية، هي دعوى يقيمها شخص للمطالبة بحق من الحقوق، وذلك بالكذب والافتراء على المدعى عليه، أما البلاغ الكاذب فالغاية منه فقط تشويه سمعة الشخص المبلغ عنه.


وفي ختام مقالتنا نرجو أن نكون قد وضحنا لكم عقوبة الافتراء في النظام السعودي، والنصوص الحاكمة لها في نظام المرافعات الشرعية، وهي المادة الثالثة منه، واللائحة التنفيذية أيضاً في نظام المرافعات الشرعية التي شرحت بالمادة الثالثة أحكام وعقوبة تلك الجريمة.

كما حاولنا أن نوضح لكم في ثنايا المقالة كيفية إثبات البلاغ الكاذب، وأن الافتراء لم يعد تقليدياً كما كان في السابق من خلال تناقل الكلام أو اتهام الآخرين أمام السلطات المختصة، بل أصبح هناك ما يسمى بالافتراء الإلكتروني، وقد صار أكثر انتشاراً في الآونة الأخيرة بسبب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي.

ولا بد لنا من التذكير بالخدمات القانونية الكبيرة التي يقدمها مكتب الصفوة للمحاماة والاستشارات القانونية، فإذا ما تعرضت لاتهام كيدي أو بلاغ كاذب، فإنه يمكنك الاتصال بمكتب الصفوة المحاماة الاستشارات القانونية وستجد الدعم والمساعدة القانونية الكاملة في دحض تلك الاتهامات، وبيان أن البلاغ بحقك كاذب ولا صحة له.

تحميل المقال بصيغة PDF

عقوبة الافتراء في القانون السعودي.pdf

Avatar of حسين الدعدي
نبذة عن حسين الدعدي

حسين الدعدي, محامي ومستشار قانوني سعودي الجنسية؛ حاصل على بكالوريوس في الشريعة بدرجة ممتاز من جامعة أم القرى في مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية. ومالك لمكتب الصفوة للمحاماة والاستشارات القانونية.

أضف تعليق

متجر الصفوة اطلب خدمات قانونية
لديك استشارة قانونية؟
تواصل مع محامي