جريمة خيانة الأمانة في النظام السعودي / أركانها وعقوبتها

تعد جريمة خيانة الأمانة في النظام السعودي من الجرائم المالية المستقلة والتي تشترك مع غيرها من الجرائم المالية في كونها تعبير عن انعدام الوازع الأخلاقي والديني لدى مرتكبها، وتختلف عنهم من حيث الأركان التي تقوم عليها، لا سيما بعد ارتفاع معدلات ارتكابها في وقتنا الحاضر كنتيجة لتزايد وتشابك المصالح والعقود والأعمال بين الناس في المجتمع والتي يراها بعض الأشخاص فرصة للاعتداء على الملكيات والحصول على المال إثر خيانتهم للأمانة الموكلة إليهم.

ولا شك أن للأمانة دور في سيادة الأمان وسير الأعمال بما يتيحه القانون في المجتمع وتعبير عن الرقي العام للأفراد المتسمين بها، وبالتالي فإن خيانتها من أبرز أسباب فساد العلاقات والتعاملات بين الأفراد ومسبب لإضعاف ثقة الناس ببعضهم، ولذلك جرم القانون في المملكة العربية السعودية خيانة الأمانة، ووضع له العقوبات المناسبة في نظام مكافحة الاحتيال المالي وخيانة الأمانة.

جريمة خيانة الأمانة في النظام السعودي

ليس القانون هو الجانب الوحيد الذي يجرم فعل خيانة الأمانة، فهي أيضاً جريمة أخلاقية ودينية، فإذا كانت جريمة السرقة هي اعتداء على الأموال بغير حق فإن جريمة خيانة الأمانة هي وبالإضافة إلى ذلك خيانة للثقة الممنوحة وطعن في الأمان الذي يفترض وجوده بين الناس بحكم سيادة تشريعات الإسلام والقانون في المملكة العربية السعودية.

والحق أن جريمة خيانة الأمانة ترتبط بالعديد من المفردات والمصطلحات التي تطلق على أفعال مشابهة لخيانة الأمانة وقريبة منها ومنها الجحود بالثقة وعدم الوفاء بالالتزام وما يماثلها من مفردات تعني بشكل أو بآخر خيانة الفرد للثقة التي منحت إليه.

وعلى الرغم من عدم تعريف المشرع السعودي لمفهوم جريمة خيانة الأمانة في المرسوم الملكي الخاص بنظام مكافحة الاحتيال المالي وخيانة الأمانة في المملكة العربية السعودية، إلا أنه يمكن الحصول على مفهومها من خلال استقراء نص النظام بأنها إساءة استعمال واستخدام للأمانة المودعة بغض النظر عن الطريقة المستخدمة.

كأن يقوم الجاني بذلك مستخدماً أساليب التزوير والاستيلاء والاحتيال والاختلاس والغش والتبديد والإفساد والإتلاف لأشياء وأملاك خاصة بالآخرين، كان قد حصل عليها بموجب عقد أجار أو رهن أو حتى كوديعة أو قدم مجاناً بهدف المساعدة، ولذلك فقد كان إيجاد عقوبة جريمة خيانة الأمانة في النظام السعودي مهما للغاية لردع الأشخاص عن التهاون في حقوق الآخرين.

ومن الجدير بالذكر أنه جريمة خيانة الأمانة تقوم بسبب منح الثقة من قبل المجني عليه ليباديه الجاني بالخيانة، ومن أمثلتها قيام التاجر بتسليم الأموال للمحاسب ومنحه الصلاحيات في استلام المال الخاص بالعمل، فهي ليست جريمة سرقة لأن المال هنا في حرز الجاني أساساً ولم يعمد لأخذها من حرز المجني عليه.

ملحوظة: المثال السابق لا يعتبر جريمة اختلاس وذلك لأن جريمة الاختلاس لا تتحقق إلّا بالشروط التي حددها المشرّع؛ اطلع على الشروط من هنا › اركان جريمة الاختلاس في القانون السعودي.

أركان جريمة خيانة الأمانة في النظام السعودي

تقوم جريمة خيانة الأمانة في النظام السعودي على ثلاثة أركان هي:

الركن الشرعي: ويتحقق بوجود النص الشرعي والقانوني الذي يحرم ويجرم فعل خيانة الأمانة في قوانين المملكة العربية السعودية، وهو ركن قائم بوجود نظام مكافحة الاحتيال المالي وخيانة الأمانة.

الركن المادي: وهو ماديات جريمة خيانة الأمانة في النظام السعودي وهو بالتالي الأساس الذي تقوم عليه الجريمة ولا تتحقق إلا به ولا وجود لها بدونه لا سيما وأن جريمة خيانة الأمانة في النظام السعودي من الجرائم الايجابية التي تتم بقيام الجاني بفعل مخالف للقوانين، ويتكون الركن المادي في جريمة خيانة الأمانة في النظام السعودي من عدة عناصر:

  • تسليم الأمانة: وهو أهم عناصر الركن المادي لجريمة خيانة الأمانة وجوهر اختلافها عن غيرها من جرائم الاحتيال والاعتداء على أموال الآخرين، فهي لا تحدث إلا إذا قام صاحب المال (المجني عليه) بتسليم الأمانة إلى الجاني والثقة به.
  • النشاط الإجرامي: وهو الفعل الايجابي الذي يقوم به خائن الأمانة عبر استخدامه للأمانة المودعة لديه بالتزوير أو الاحتيال أو الاستيلاء أو الاختلاس أو الغش أو التبديد أو الإفساد أو الإتلاف.
  • محل خيانة الأمانة: وهو ما تشمله صفة الأمانة المودعة بحيث يمكن أن تكون الأمانة المودعة لدى الجاني أموال أو ممتلكات أو أبنية أو أشياء.
  • النتيجة الإجرامية: وهي تحقيق الجاني لأهدافه المرتبطة بالنشاط الإجرامي الذي قام به بما يلحق الأضرار بالمجني عليه، وليس بالضرورة أن يتحقق الضرر المادي في جريمة خيانة الأمانة في النظام السعودي بل يمكن أن يكون الضرر متعلق بأشياء ذات قيمة معنوية أو أوراق شخصية مهمة للمجني عليه.

وعليه؛ فإن جريمة خيانة الأمانة في النظام السعودي تقوم بوجود شخصين؛ الأول وهو من يقوم بتسليم الأمانة للشخص الثاني الذي يجب عليه التصرف بهذه الأمانة واستخدامها كما يريد صاحبها وفي حدود الصلاحيات التي قام بمنحه إياها، فيقوم الثاني بالاستئثار بهذه الأمانة وخيانتها والغدر بالشخص الأول الذي منح الثقة للشخص الثاني.

الركن المعنوي: وهو أن يكون الفعل الذي قام به الجاني في تحويل حيازته الناقصة للأمانة إلى حيازة كاملة والتصرف بها على أنها ملك خاص، قائم في الأساس على علم وإرادة الجاني بما يقوم به وبشكل عمدي، ولكنها لا تتطلب وجود قصد خاص كإفساد عمل المؤسسة التي يعمل بها أو خسارة صاحب الأمانة الحقيقي.

تصفح أيضاً: أركان الجريمة الجنائية في النظام السعودي.

عقوبة جريمة خيانة الأمانة في النظام السعودي

يتم الحكم بالعقوبة في جريمة خيانة الأمانة وفقاً لنظام مكافحة الاحتيال المالي وخيانة الأمانة، وهي كالتالي:

الحكم بالسجن لمدة لا تزيد عن سبع سنوات ودفع غرامة مالية لا تزيد عن خمس ملايين ريال سعودي أو بإحدى العقوبتين على كل شخص يقوم بإساءة استعمال مال شخص آخر والاستيلاء عليه باستخدام الخداع والكذب والاحتيال وذلك وفقاً للمادة الأولى من نظام مكافحة الاحتيال المالي وخيانة الأمانة.

بينما نصت المادة الثانية من ذات النظام على معاقبة كل شخص يقوم بالاعتداء على مال تم منحه إياه بموجب الإعارة أو الرهن أو الوكالة أو الأمانة أو الوديعة أو تم وضعه تحت تصرفه بموجب عمله، وذلك بالإضرار به أو إتلافه أو استعماله بغير ما تم منحه إياه من صلاحية، بالسجن لمدة لا تزيد عن خمس سنوات ودفع غرامة مالية لا تزيد عن ثلاثة ملايين ريال سعودي أو بإحدى العقوبتين، ويطبق ذلك على جميع الحالات باستثناء المال العام حيث أنه له إجراءات أخرى.

كما تضمن نظام مكافحة الاحتيال المالي وخيانة الأمانة في مادته الثالثة فرض عقوبة لا تتجاوز نصف الحد الأعلى لعقوبة الجاني على من يقوم بالمساعدة أو الاتفاق أو التحريض في الجرائم التي نص عليها هذا النظام.

وبالإضافة إلى ذلك فقد تضمن النظام في مادته الرابعة عقوبة خاصة بالشروع بجريمة خيانة الأمانة بما لا يتجاوز نصف الحد الأعلى لعقوبة الجريمة التامة.

تصفح أيضاً: الدليل الكامل حول جريمة النصب والاحتيال في السعودية.

تطبيق قضائي في جريمة خيانة الأمانة في النظام السعودي

قامت المدعية برفع لائحة ادعاء قدمت فيها بأنها تمتلك تأمين ضد خيانة الأمانة لمندوبي المبيعات العاملين في المؤسسة وذلك بموجب وثيقة تأمين تم إصدارها عن الشركة بقيمة 200 ألف ريال سعودي، وقد قام أحد المندوبين وهو وافد هندي الجنسية بخيانة الأمانة وتحصيله لمبلغ مالي من عملاء المؤسسة بما يقدر ب 228 ألف ريال سعودي ومن ثم هروبه، وأن المدعية قامت بما يلزم من إجراءات قانونية لدى الجهات المختصة في المملكة العربية السعودية لإثبات هروب هذا المندوب، ومن ثم فإنه قامت بإخطار الشركة بالحادث بشكل آني، وقد مضت سنة تقريباً دون حصولها على أي تعويض، وعليه فإنها قامت بالمطالبة بإلزام الشركة المدعى عليها بتقديم تعويض مادي عن الخسائر التي سببها المندوب.

بينما قامت الشركة المدعى عليها بتقديم مذكرة رد بأن حق إقامة الدعوى من قبل المدعية باطل بسبب عدم التزامها بالشروط الخاصة بوثيقة التأمين والتي تتضمن اللجوء إلى التحكيم، كما أنها لم تقم بتقديم أي أدلة تثبت فعل خيانة الأمانة من قبل المندوب، بالإضافة إلى عدم التزامها بأحكام وثيقة التأمين وشروطها من حيث وضع نظام رقابة حول عمليات التحصيل فقد كان من المفترض أن يقوم المندوب بتسليم ما بحوزته من مال خلال مدة لا تتجاوز الأسبوع في حين لم تكن قيمته كبيرة وإلزامه بتسليمها في ذات اليوم إن كان المبلغ كبيراً، ويعتبر عدم التزام المدعية بذلك إهمالاً في الرقابة وبالتالي لا حق لها بالمطالبة بالتعويض وفقاً لأحكام وشروط وثيقة التأمين، كما أن خروج المندوب وهروبه بشكل نظامي ودون أي مشكلات يعني تأخر المدعية في إبلاغ الجهات المختصة بما يكفي من وقت لخروج المندوب بشكل قانوني ولذلك تم رد الدعوى.

أسئلة شائعة حول جريمة خيانة الأمانة في النظام السعودي

يصعب التمييز لدى الكثير من الأشخاص ما بين جرائم الاعتداء على الأموال في المملكة العربية السعودية، ولذلك سنقدم بعض الأجوبة الخاصة بالفروق الأساسية ما بين جريمة خيانة الأمانة وغيرها من الجرائم الأخرى، بالإضافة إلى بعض الإجابات عن أسئلة أخرى شائعة:

يمكن استخلاص الحالات التي يتم تصنيف الفعل فيها على أنها جريمة خيانة أمانة من نظام مكافحة الاحتيال المالي وخيانة الأمانة؛ وهي:
1. عقود الإيجار.
2. عقود الرهن.
3. تسليم المال بقصد القيام بعمل.
4. عقود الودائع.
5. عقود الوكالة.
6. الإعارة.

لا تختلف شروط قبول الدعوى الخاصة بخيانة الأمانة وإجراءاتها عن غيرها من الدعاوى الجزائية في المملكة العربية السعودية؛ وهي كالتالي:
› أن يقوم موضوع الدعوى على تعويض ضرر ناتج عن جريمة خيانة أمانة.
› أن يكون الضرر الناتج فعلي وحقيقي وليس احتمالي، بغض النظر عما إذا كان الضرر مادي أو معنوي.
› أن يكون الضرر قد نتج بشكل أساسي ومباشر عن سلوك خيانة الأمانة.
› يجب تقديم الشكوى من قبل المتضرر والمجني عليه في جريمة خيانة الأمانة.
› أن يكون مقدم الشكوى ذو أهلية قانونية.
› يجب أن يمتلك مقدم الشكوى مصلحة من الادعاء.
› تنازل المجني عليه عن حقه.
› وفاة المجني عليه.
› تقادم الدعوى.

المصادر والمراجع:

نظام مكافحة الاحتيال المالي وخيانة الأمانة.

جريمة خيانة الأمانة- جامعة العربي بن مهيدي، سمير تياب.

صحيفة عكاظ.

Avatar of حسين الدعدي
نبذة عن حسين الدعدي

حسين الدعدي, محامي ومستشار قانوني سعودي الجنسية؛ حاصل على بكالوريوس في الشريعة بدرجة ممتاز من جامعة أم القرى في مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية. ومالك لمكتب الصفوة للمحاماة والاستشارات القانونية.

متجر الصفوة اطلب خدمات قانونية
لديك استشارة قانونية؟
تواصل مع محامي